00:06اعلم أن أصول الفقه أعظم العلوم الشرعية وأجلها قدرا وأكثرها فائدة
00:14وهو النظر في الأدلة الشرعية من حيث تأخذ منها الأحكام والتكاليف
00:20وأصول الأدلة الشرعية هي الكتاب الذي هو القرآن ثم السنة المبينة له
00:28فعلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت الأحكام تتلقى منه بما يوحى إليه من القرآن
00:36ويبينه بقوله وفعله بخطاب شفاهي لا يحتاج إلى نقل ولا إلى نظر وقياس
00:47ومن بعده صلوات الله وسلامه عليه تعذر الخطاب الشفاهي وانحفظ القرآن بالتواتر
00:54وأما السنة فأجمع الصحابة رضوان الله عليهم على وجوب العمل بما يصل إلينا منها قولا أو فعلا
01:02بالنقل الصحيح الذي يغلب على الظن صدقه وتعينت دلالة الشرع في الكتاب والسنة بهذا الاعتبار
01:13ثم ينزل الإجماع منزلتهما لإجماع الصحابة على النكير على مخالفيهم ولا يكون ذلك إلا عن مستند لأن مثلهم لا يتفقون من غير دليل ثابت
01:27مع شهادة الأدلة بعصمة الجماعة فصار الإجماع دليلا ثابتا في الشرعيات
01:33ثم نظرنا في طريق استدلال الصحابة والسلف بالكتاب والسنة فإذا هم يقيسون الأشباه منهما ويناظرون الأمثال بالأمثال بإجماع منهم وتسليم بعضهم لبعض في ذلك
01:50فإن كثيرا من الواقعات بعده صلوات الله وسلامه عليه لم تندرج في النصوص الثابتة فقاسوها بما ثبت وألحقوها بما نص عليه بشروط في ذلك الإلحاق تصحح تلك المساواة بين شبيهين أو المثلين
02:09حتى يغلب على الظن أن حكم الله تعالى فيهما واحد وصار ذلك دليلا شرعيا بإجماعهم عليه وهو القياس وهو رابع الأدلة
02:22ثم إن النظر في القياس من أعظم قواعد هذا الفن لأن فيه تحقيق الأصل والفرع فيما يقاس ويماثل من الأحكام
02:33واتفق جمهور العلماء على أن هذه هي أصول الأدلة وإن خالف بعضهم في الإجماع والقياس إلا أنه شذوذ
02:44واعلم أن هذا الفن من الفنون المستحدثة في الملة وكان السلف في غنية عنه
02:52بما أن استفادة المعاني من الألفاظ لا يحتاج فيها إلى أزيد مما عندهم من الملكة اللسانية
03:00وأما القوانين التي يحتاج إليها في استفادة الأحكام خصوصا فمنهم أخذ معظمها
03:11فلما انقرض السلف وذهب الصدر الأول وانقلبت العلوم كلها صناعة كما قررناه من قبل
03:20واحتاج الفقهاء والمجتهدون إلى تحصيل هذه القوانين والقواعد
03:25لاستفادة الأحكام من الأدلة فكتبوها فنا قائما برأسه سموه أصول الفقه
03:35وكان أول من كتب فيه الشافعي رضي الله تعالى عنه
03:46أم لا فيه رسالته المشهورة تكلم فيها في الأوامر والنواهي والبيان والخبر والنسخ وحكم العلة المنصوصة من القياس
03:59وأما الخلافيات فأعلم أن هذا الفقه المستنبط من الأدلة الشرعية
04:04كثر فيه الخلاف بين المجتهدين باختلاف مداركهم وأنظارهم خلافا لا بد من وقوعه لما قدمناه
04:14واتسع ذلك في الملة اتساعا عظيمة وكان للمقلدين أن يقلدوا من شاءوا منهم
04:21ثم لما انتهى ذلك إلى الأئمة الأربعة من علماء الأمصار
04:26وكانوا بمكان من حسن الظن بهم اقتصر الناس على تقليدهم ومنعوا من تقليد سواهم
04:34لذهاب الاجتهاد لصعوبته وتشعب العلوم التي هي مواده
04:40باتصال الزمان وافتقاد من يقوم على سوى هذه المذاهب الأربعة
04:45وأما الجدل وهو معرفة آذاب المناظرة التي تجرى بين أهل المذاهب الفقهية وغيرهم
04:55فإنه لما كان باب المناظرة في الرد والقبول متسعا
05:01وكل واحد من المناظرين في الاستدلال والجواب يرسل عنانه في الاحتجاج
05:08ومنهما يكون صوابا ومنهما يكون خطأا
05:12فاحتاج الآئمة إلى أن يضعوا آدابا وأحكاما
05:17يقف المتناظران عند حدودها في الرد والقبول
05:22وكيف يكون حال المستدل والمجيب
05:26وحيث يسوغ له أن يكون مستدلا وكيف يكون مخصوصا منقطعا
05:34ومحل اعتراضه أو معارضته
05:37وأين يجب عليه السكوت ولخصمه الكلام والاستدلال
05:42ولذلك قيل فيه إنه معرفة بالقواعد من الحدود والآداب في الاستدلال