Skip to playerSkip to main contentSkip to footer
  • 6/4/2025
علم اجتماع

Category

📚
Learning
Transcript
00:00في مبادئ الخراب في الأمصار
00:03اعلم أن الأمصار إذا اختطت أولا تكون قليلة المساكن وقليلة آلات البناء من الحجر والجير وغيرهما
00:12مما يعالي على الحيطان عند التأنق كالزلج والرخام والربج والزجاج والفسيفساء والصدف
00:24فيكون بناؤها يومئذ بدويا وآلاتها فاسدة
00:29فإذا عظم عمران المدينة وكثر ساكنها كثرت الآلات بكثرة الأعمال حينئذ
00:37وكثر الصناع إلى أن تبلغ غايتها من ذلك كما سبق بشأنها
00:45فإذا تراجع عمرانها وخف ساكنها قلت الصنائع لأجل ذلك
00:51ففقدت الإجادة في البناء والإحكام والمغالاة عليه بالتنميق
00:57ثم تقل الأعمار لعدم الساكن فيقل جلب الآلات من الحجر والرخام وغيرهما
01:05فتفقد ويصير بناؤهم وتشييدهم من الآلات التي في مبانيهم
01:12فينقلونها من مصنع إلى مصنع لأجل خلاء أكثر المصانع والقصور والمنازل
01:20بقلة العمران وقصوره عما كان أولا
01:24ثم لا تزال تنقل من قصر إلى قصر ومن دار إلى دار
01:30إلى أن يفقد الكثير منها جملة فيعودون إلى البداوة في البناء
01:37واتخاذ الطوب عوضا عن الحجارة
01:39والقصور عن التنميق بالكلية
01:43فيعود بناء المدينة مثل بناء القرى والمداشر
01:48ويظهر عليها سيم البداوة
01:51ثم تمر في التناقص إلى غايتها من الخراب إن قدر لها به
01:57سنة الله في حفظه
02:01في أن تفاضل الأمصار والمدن في كثرة الرفه لأهلها
02:06ونفاق الأسواق إنما هو في تفاضل عمرانها في الكثرة والقلة
02:11والسبب في ذلك أنه قد عرف وثبت أن الواحد من البشر غير مستقل بتحصيل حاجاته في معاشه
02:20وأنهم متعاونون جميعا في عمرانهم على ذلك
02:24والحاجة التي تحصل بتعاون طائفة منهم تسد ضرورة الأكثر من عددهم أضعافا
02:32فأهل مدينة أو مصر إذا وزعت أعمالهم كلها على مقدار ضروراتهم وحاجاتهم
02:41اكتفي فيها بالأقل من تلك الأعمال
02:44وبقيت الأعمال كلها زائدة على الضرورات
02:48فتصرف في حالات الترف وعوائده وما يحتاج إليه غيرهم من أهل الأمصار
02:55ويستجلبونه منهم بأعواضه وقيمه
02:59فيكون لهم بذلك حظ من الغنى
03:03وقد تبين لك في الفصل الخامس في باب الكسب والرزق
03:08أن المكاسب إنما هي قيم الأعمال
03:11فإذا كثرت الأعمال كثرت قيمها بينهم
03:16فكثرت مكاسبهم ضرورة
03:19ودعتهم أحوال الرفه والغنى
03:22إلى الترف وحاجاته من التأنق في المساكن والملابس
03:26واستجادة الآنية والماعون
03:28واتخاذ الخدم والمراكب
03:31وهذه كلها أعمال تستدعى بقيمها
03:35ويختار المهرة في صناعتها والقيام عليها
03:39فتنفق أسواق الأعمال والصنائع
03:43ويكثر دخل المصر وخرجه
03:46ويحصل اليسار لمنتحلي ذلك من قبل أعمالهم
03:52ومتى زاد العمران زادت الأعمال ثانية
03:55ثم زاد الترف تابعا للكسب
03:58وزادت عوائده وحاجاته
04:01واستنبطت الصنائع لتحصيلها
04:04فزادت قيمها وتضاعف الكسب في المدينة لذلك ثانية
04:08ونفقت سوق الأعمال بها أكثر من الأول
04:13وكذا في الزيادة الثانية والثالثة
04:16لأن الأعمال الزائدة كلها تختص بالترف والغنى
04:21بخلاف الأعمال الأصلية التي تختص بالمعاش
04:24فالمصر إذا فضل بعمران واحد
04:28ففضله بزيادة كسب ورفه
04:30وبعوائد من الترف لا توجد في الآخر
04:34فما كان عمرانه من الأمصار أكثر
04:38وأوفر كان حال أهله في الترف أبلغ من حال المصر
04:42الذي دونه على وطيرة واحدة في الأصناف
04:45القاضي مع القاضي والتاجر مع التاجر
04:49والصانع مع الصانع والسوقي مع السوقي
04:52والأمير مع الأمير والشرطي مع الشرطي
04:56واعتبر ذلك في المغرب مثلا بحال فاس
05:01مع غيرها من أمصاره الأخرى
05:03مثل بجاية وتلمسان وسبتة
05:06تجد بينهما بونا كثيرا على الجملة
05:09ثم على الخصوصيات فحال القاضي بفاس
05:13أوسع من حال القاضي بتلمسان
05:16وهكذا كل صنف مع صنف أهله
05:19إلى أن تنتهي إلى المداشر
05:22الذين اعتمالهم في ضروريات معاشهم فقط
05:27ويقصرون عنها وما ذلك
05:30إلا لتفاوت الأعمال فيها
05:32فكأنها كلها أسواق للأعمال
05:36والخرج في كل سوق على نسبته
05:39فلذلك تجد أهل هذه الأمصاري
05:43الصغيرة ضعفاء الأحوال
05:46متقاربين في الفقر والخصاصة
05:48لما أن أعمالهم لا تفي بضروراتهم
05:53ولا يفضل ما يتأثلونه كسبا
05:57فلا تنمو مكاسبهم
05:59وهم لذلك مساكين محاويج
06:02إلا في الأقل النادر
06:04واعتبر ذلك حتى في أحوال الفقراء والسؤال
06:08فإن السائل بفاس أحسن حالا من السائل بتلمسان أو وهران
06:14ولقد شاهدت بفاس السؤال
06:18يسألون أيام لضاحي أثمان ضحاياهم
06:22ورأيتهم يسألون كثيرا من أحوال الترف وقتراح المأكل
06:28مثل سؤال اللحم والسمن وعلاج الطبخ والملابس والماعون
06:34ولو سأل سائل مثل هذا بتلمسان أو وهران
06:38لستنكر وعنف وزجر
06:41ويبلغنا لهذا العهد
06:44عن أحوال القاهرة ومصر من الترف والغنى في عوائدهم
06:48ما يقضي منه العجب
06:50حتى إن كثيرا من الفقراء بالمغرب
06:54ينزعون إلى النقلة إلى مصر لذلك
06:57لما يبلغهم من أن شأن الرفاه بمصر
07:02أعظم من غيرها
07:04ويعتقد العامة من الناس أن ذلك لزيادة إيثار في أهل تلك الآفاق على غيرهم
07:12أو أموال مختزنة لديهم
07:15وأنهم أكثر صدقة وإيثارا من جميع أهل الأمصار
07:20وليس كذلك وإنما هو لما تعرفه
07:24من أن عمران مصر والقاهرة أكثر من عمران هذه الأمصار التي لديك
07:31فعظمت لذلك أحوالهم
07:33وأما حال الدخل والخرج فمتكافئ في جميع الأمصار
07:39ومتى عظم الدخل عظم الخرج
07:41وبالعكس ومتى عظم الدخل والخرج
07:44اتسعت أحوال الساكن ووسع المصر
07:48كل شيء يبلغك من مثل هذا
07:51فلا تنكره واعتبره بكثرة العمران
07:54وما يكون عنه من كثرة المكاسب التي يسهل بسببها البذل والإيثار على مبتغيه
08:01ومثله بشأن الحيوانات العجم
08:05مع بيوت المدينة الواحدة
08:07وكيف يختلف أحوالها في هجرانها أو غشيانها
08:14فإن بيوت أهل النعم والثروة والموائد الخصبة
08:19منها تكثر بساحتها
08:22وأفنيتها بنثر الحبوب وسواقط الفتات
08:27فيزدحم عليها غواش النمل والخشاش
08:31ويحلق فوقها عصائب الطيور
08:34حتى تروح بطانا وتمتلئ شبع ورية
08:38وبيوت أهل الخصاصة والفقراء الكاسدة أرزاقهم
08:43لا يسري بساحتها دبيب ولا يحلق بجوها طائر
08:49ولا تأوي إلى زوايا بيوتهم فأرة ولا هرة
08:54فتأمل سر الله تعالى في ذلك
08:57واعتبر غاشية الأناس بغاشية العجم من الحيوانات
09:02وفوتات الموائد بفضلات الرزق والترف وسهولتها
09:07على ما يبذلها لاستغنائهم عنها في الأكثر
09:11لوجود أمثالها لديهم
09:14واعلم أن اتساع الأحوال وكثرة النعم
09:18في العمران تابع لكثرته
09:20والله سبحانه وتعالى أعلم وهو غني عن العالمين
09:26ترجمة نانسي قنقر

Recommended