- 2 days ago
علم اجتماع
Category
📚
LearningTranscript
00:00في أن كثرة التآليف في العلوم عائقة عن التحصيل
00:06اعلم أنه مما أضر بالناس في تحصيل العلم والوقوف على غاياته كثرة التأليف واختلاف الاصطلاحات في التعليم
00:15وتعدد طرقها ثم مطالبة المتعلم والتلميذ باستحضار ذلك
00:21وحينئذ يسلم له منصب التحصيل
00:29فيحتاج المتعلم إلى حفظها كلها أو أكثرها ومراعاة طرقها ولا يفي عمره بما كتب في صناعة واحدة إذا تجرد لها
00:41فيقع القصور ولا بد دون رتبة التحصيل
00:46ولو اقتصر المعلمون بالمتعلمين على المسائل المذهبية فقط لكان الأمر دون ذلك بكثير
00:54وكان التعليم سهلا ومأخذه قريبا
00:58ولكنه داء لا يرتفع الاستقرار العوائد عليه
01:02فصارت كالطبيعة التي لا يمكن نقلها ولا تحويلها
01:07وكيف يطالب به المتعلم وينقضي عمره دونه ولا يطمع أحد في الغاية منه إلا في القليل النادر
01:16ودل ذلك على أن الفضل ليس منحصرا في المتقدمين السيما مع ما قدمناه من كثرة الشواغب بتعدد المذاهب والطرق والتأليف
01:27ولكن فضل الله يؤتيه من يشاء
01:32وهذا نادر من نوادر الوجود
01:35وإلا فالظاهر أن المتعلم ولو قطع عمره في هذا كله
01:40فلا يفي له بتحصيل علم العربية مثلا
01:44الذي هو آلة من الآلات وبسيلة
01:48فكيف يكون في المقصود الذي هو الثمر
01:51ولكن الله يهدي من يشاء
01:55في أن كثرة الاختصارات المؤلفة في العلوم مخلة بالتعليم
02:01ظهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق والأنحاء في العلوم
02:06يولعون بها ويدونون منها برنامجا مختصرا في كل علم
02:12يشتمل على حصر مسائله وأداتها
02:16باختصار في الألفاظ وحشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلك الفن
02:22وصار ذلك مخلا بالبلاغة وعسرا على الفهم
02:27وذلك لأن فيه تخليطا على المبتدئ بإلقاء الغايات من العلم عليه
02:33وهو لم يستعد لقبولها بعد
02:36وهو من سوء التعليم كما سيأتي
02:39ثم فيه مع ذلك شغل كبير على المتعلم بتتبع الفاظ الاختصار العويصة
02:46للفهم بتزاحم المعاني عليها وصعوبة استخراج المسائل من بينها
02:52لأن الفاظ المختصرات تجدها لأجل ذلك صعبة عويصة
02:58فينقطع في فهمها حظ صالح من الوقت
03:01ثم بعد ذلك فالملكة الحاصلة من التعليم في تلك المختصرات
03:07إذا تم على سداده ولم تعقبه آفة
03:11فهي ملكة قاصرة عن الملكات التي تحصل من الموضوعات البسيطة المطولة
03:18بكثرة ما يقع في تلك من التكرار والإحالة المفيدين لحصول الملكة التامة
03:23وإذا قتصر عن التكرار قصرت الملكة لقلته كشأن هذه الموضوعات المختصرة
03:32فقصدوا إلى تسهيل الحفظ على المتعلمين فأركبوهم صعبا يقطعهم
03:37عن تحصيل الملكات النافعة وتمكنها ومن يهدي الله فلا مضل له
03:43ومن يضلل فلا هادي له
03:46والله سبحانه وتعالى أعلم
03:50في وجه الصواب في تعليم العلوم وطريق إفادته
03:55اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدا
04:00إذا كان على التدريج شيئا فشيئا وقليلا قليلا
04:04يلقى عليه أولا مسائل من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب
04:14ويقرب له في شرحها على سبيل الإجمال ويراعى في ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يرد عليه
04:26حتى ينتهي إلى آخر الفن وعند ذلك يحصل له ملكة من ذلك العلم
04:32إلا أنها جزئية وضعيفة وغايتها أنها هيأته لفهم الفن وتحصيل مسائله
04:41ثم يرجع به إلى الفن ثانية فيرفعه في التلقين عن تلك الرتبة إلى أعلى منها
04:50ويستوفي الشرح والبيان ويخرج عن الإجمال ويذكر له ما هنالك من الخلاف ووجهه
05:01إلى أن ينتهي إلى آخر الفن فتجود ملكته
05:05ثم يرجع به وقد شدى فلا يترك عويصا ولا مبهما ولا مغلقا
05:12إلا وضحه وفتح له مقفلة فيخلص من الفن وقد استولى على ملكته هذا وجه التعليم المفيد
05:21وهو كما رأيت إنما يحصل في ثلاثة تكرارات
05:26وقد يحصل للبعض في أقل من ذلك
05:31بحسب ما يخلق له ويتيسر عليه
05:36وقد شاهدنا كثيرا من المعلمين لهذا العهد الذي أدركنا
05:43يجهلون طرق التعليم وإفادته
05:47ويحضرون للمتعلم في أول تعليمه المسائل المقفلة من العلم
05:58ويطالبونه بإحضار ذهنه في حلها
06:02ويحسبون ذلك ميرانا على التعليم وصوابا فيه
06:06ويكلفونه وعي ذلك وتحصيله
06:09ويخلطون عليه بما يلقون له من غايات الفنون في مبادئها
06:15وقبل أن يستعد لفهمها
06:18فإن قبول العلم والاستعدادات لفهمه تنشأ تدريجا
06:24ويكون المتعلم أول الأمر عاجزا عن الفهم بالجملة إلا في الأقل
06:30وعلى سبيل التقريب والإجمال وبالأمثال الحسية
06:34ثم لا يزال الاستعداد فيه يتدرج قليلا قليلا بمخالفة مسائل
06:41ذلك الفن وتكرارها عليه والانتقال فيها من التقريب إلى الاستيعاب الذي فوقه
06:48حتى تتم الملكة في الاستعداد ثم في التحصيل ويحيطه بمسائل الفن
06:54وإذا ألقيت عليه الغايات في البدايات وهو حينئذ عاجز عن الفهم والوعي
07:02وبعيد عن الاستعداد له كل ذهنه عنها
07:07وحسب ذلك من صعوبة العلم في نفسه
07:11وحسب ذلك من صعوبة العلم في نفسه
07:14فتكاسل عنه وانحرف عن قبوله وتماد فيه جرانه
07:18وإنما أتى ذلك من سوء التعليم
07:23ولا ينبغي للمعلم أن يزيد متعلمه على فهم كتابه
07:28الذي أكب على التعليم منه بحسب طاقته
07:31وعلى نسبة قبوله للتعليم مبتدئا كان أو منتهيا
07:36ولا يخلط مسائل الكتاب بغيرها حتى يعيه من أوله إلى آخره
07:42ويحصل أغراضه ويستولي منه على ملكة بها ينفذ في غيره
07:49لأن المتعلم إذا حصل ملكة ما في علم من العلوم استعد بها لقبول ما بقي
07:56وحصل له نشاط في طلب المزيد والنهوض إلى ما فوق
08:01حتى يستولي على غايات العلم
08:04وإذا خلط عليه الأمر عجزا عن الفهم وأدركه الكلال
08:11وانطمس فكره ويأث من التحصيل وهجر العلم والتعليم
08:17والله يهدي من يشاء
08:19وكذلك ينبغي لك أن لا تطول على المتعلم في الفن الواحد
08:25بتفريق المجالس وتقطيع ما بينها لأنه ذريعة إلى النسيان وانقطاع مسائل
08:31أوائل الفن بعضها من بعض
08:35فيعسر حصول الملكة بتفريقها
08:38وإذا كانت أوائل العلم وأواخره حاضرة
08:43عند الفكرة مجانبة للنسيان
08:46كانت الملكة أيسر حصوله وأحكم ارتباطا وأقرب صبغا
08:51لأن الملكات إنما تحصل بتتابع الفعل وتكراره
08:57وإذا تنوسي الفعل تنوسي الملكة الناشئة عنه
09:02والله علمكم ما لم تكونوا تعلمون
09:05ومن المذاهب الجميلة والطرق الواجبة في التعليم
09:10أن لا يخلط على المتعلم علمان معا
09:13فإنه حينئذ قل أن يظفر بواحد منهما لما فيه من تقسيم البال
09:20وانصرا فيه عن كل واحد منهما إلى تفهم الآخر
09:25فيستغلقان معا ويستعبان
09:30ويعود منهما بالخيبة
09:32وإذا تفرغ الفكر لتعليم ما هو بسبيله مقتصرا عليه
09:37فربما كان ذلك أجذر بتحصيله
09:44والله سبحانه وتعالى الموثق للصواب
09:47واعلم أيها المتعلم أني أتحفك بفائدة في تعلمك
09:52فإن تلقيتها بالقبول وأمسكتها بيد الصناعة
09:57ظفرت بكنز عظيم وذخيرة شريفة
10:01وأقدم لك مقدمة تعينك في فهمها
10:05وذلك أن الفكر الإنساني طبيعة مخصوصة
10:10فطرها الله كما فطر سائر مبتدعاته
10:13وهو وجدان حركة النفس في البطن الأوسط من الدماغ
10:18تارة يكون مبدأ للأفعال الإنسانية على نظام وترتيب
10:23وتارة يكون مبدأ لعلم ما لم يكن حاصلا بأن يتوجه إلى المطلوب
10:32وقد يصور طرفيه ويروم نفيه أو إثباته
10:40فيلح له الوسط الذي يجمع بينهما أسرع من لمح البصر إن كان واحدا
10:47وينتقل إلى تحصيل آخر إن كان متعددا
10:51ويصير إلى الظفر بمطلوبه هذا من شأن هذه الطبيعة الفكرية
10:58التي تميز بها البشر بين سائر الحيوانات
11:02ثم الصناعة المنطقية هي كيفية فعل هذه الطبيعة الفكرية النظرية
11:09تصفه لتعلم سداده من خطأه
11:12لأنها وإن كانت صواب لها ذاتيا إلا أنه قد يعرض لها الخطأ
11:18في الأقل من تصور الطرفين على غير صورتهما
11:21من اشتباه الهيئات في نظم القضايا وترتيبها للنتائج
11:26فتعين المنطق للتخلص من ورطة هذا الفساد إذا عرض
11:32فالمنطق إذن أمر صناعي مساوق للطبيعة الفكرية
11:37ومنطبق على صورة فعلها
11:39ولكونه أمرا صناعيا استغني عنه في الأكثر
11:44ولذلك تجد كثيرا من فحول النظار في الخليقة
11:49يحصلون على المطالب في العلوم دون صناعة المنطقة
11:52ولا سيما مع صدق النية والتعرض لرحمة الله
11:56فإن ذلك أعظم معنى
11:59ويسلكون بالطبيعة الفكرية على سدادها
12:05فيفضي بالطبع إلى حصول الوسط والعلم المطلوب
12:10كما فطرها الله عليه
12:12ثم من دون هذا الأمر الصناعي
12:14الذي هو المنطق مقدمة أخرى من التعلم
12:18وهي معرفة الألفاظ ودلالتها على المعاني الذهنية
12:23تريدها من مشافهة الرسوم بالكتاب
12:28ومشافهة اللسان بالخطاب
12:30فلابد أيها المتعلم من مجاوزتك هذه الحجب
12:35كلها إلى الفكر في مطلوبك
12:37فأولا دلالة الكتابة المرسومة على الألفاظ المقولة وهي أخفها
12:44ثم دلالة الألفاظ المقولة على المعاني المطلوبة
12:48ثم القوانين في ترتيب المعاني للاستدلالات في قوالبها المعروفة في صناعة المنطق
12:54ثم تلك المعاني مجردة في الفكر أشرا كي يقتنص بها المطلوب
13:01بالطبيعة الفكرية بالتعرض لرحمة الله ومواهبه
13:06وليس كل أحد يتجاوز هذه المراتب بسرعة
13:10ولا يقطع هذه الحجب في التعليم بسهولة
13:15بل ربما وقف الذهن في حجب للفاض بالمناقشات
13:22أو عثر في أشراك لدلة بشغب الجدال والشبهات
13:26وقعد عن تحصيل المطلوب
13:29ولم يكد يتخلص من تلك الغمرة إلا قليل من من هداه الله
13:35فإذا بوتليت بمثل ذلك وعرض لك ارتباك في فهمك أو تشغيب بالشبهات في ذهنك
13:42فاضطرح ذلك وانتجد حجب للفاض
13:45وعوائق الشبهات وترك الأمر الصناعي جملة
13:50وأخلص إلى فضاء الفكر الطبيعي الذي فطرت عليه
13:54وسرح نظارك فيه وفرغ ذهنك له للغوص على مرامك منه
13:59واضعا لها حيث وضعها أكابر النظار قبلك
14:04مستعرضا للفتح من الله كما فتح عليهم من ذهنهم من رحمته
14:11وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون
14:14فإذا فعلت ذلك أشرقت عليك أنوار الفتح من الله بالظفر وبمطلوبك
14:20وحصل الإلهام الوسط الذي جعله الله من مقتضيات ذاتيات في الفكر
14:27وفطره عليه كما قلنا
14:30وحينئذ فارجع به إلى قوالب الأدلة
14:34وصورها فأفرغه فيها
14:38ووفه حقه من القانون الصناعي
14:41ثم اكسه صور الألفاظ
14:44وأبرزه إلى عالم الخطاب والمشافهة
14:48وثيق العرى صحيح البنيان
14:51وأما إن وقفت عند المناقشة والشبهة في الأدلة الصناعية
14:56وتمحيص صوابها من خطائها
14:59وهذه أمور صناعية وضعية
15:02تستوي جهاتها المتعددة
15:04وتتشابه لأجل الوضع والاصطلاح
15:07فلا تتميز جهة الحق
15:10إنما تستبين إذا كانت بالطبع
15:13فيستمر ما حصل من الشك والارتياب
15:17وتسدل الحجب على المطلوب
15:20وتقعد بالناظر عن تحصيله
15:23وهذا شأن الأكثرين من النظار والمتأخرين
15:27سيما من سبقت له عجمة في لسانه
15:30فربطت عن ذهنه
15:32ومن حصل له شغب بالقانون المنطقي
15:36تعصب له فاعتقد أنه الذريعة
15:39أنه الذريعة إلى إدراك الحق بالطبع
15:44فيقع في الحيرة بين شبه الأدلة وشكوكها
15:47ولا يكاد يخلص منها
15:50والذريعة إلى درك الحق بالطبع
15:53إنما هو الفكر الطبيعي كما قلناه
15:56إذا جرد عن جميع الوهام وتعرض الناظر فيه إلى رحمة الله تعالى
16:02وأما المنطق فإنما هو واصف لفعل هذا الفكر
16:06فيساوقه لذلك في الأكثر
16:11فاعتبر ذلك واستمطر رحمة الله تعالى
16:14متى أعوذك فهم المسائل
16:17تشرق عليك أنواره بالإلهام إلى الصواب
16:21والله الهادي إلى رحمته
16:24وما العلم إلا من عند الله
Recommended
9:07
|
Up next
21:59
6:49
6:50
5:46
43:23
7:33
8:33
9:23
9:45
6:49
9:30
15:36
4:01
7:36
5:01
9:22
6:25
8:29
14:59
7:40
10:49
7:09
7:16
2:45