مقدمة ابن خلدون (92)

عابرسبيلا

2 days ago

علم اجتماع

Transcript

00:01العلوم العقلية وأصنافها

00:04وأما العلوم العقلية التي هي طبيعية للإنسان من حيث إنه ذو فكر فهي غير مختصة بملة

00:13بل يوجد النظر فيها لأهل الملة لكلهم ويستوون في مداركها ومباحثها

00:20وهي موجودة في النوع الإنساني منذ كان عمران الخليقة وتسمى هذه العلوم الفلسفة والحكمة

00:31وهي مجتملة على أربعة علوم

00:35الأول علم المنطق وهو علم يعصم الذهن عن الخطأ في اقتناص المطالب المجهولة من الأمور الحاصلة المعلومة

00:46وفائدة تمييز الخطأ من الصواب فيما يلتمسه الناظر في الموجودات وعوارضها ليقف على تحقيق الحق في الكائنات بمنتهى فكره

00:59ثم النظر بعد ذلك عندهم إما في المحسوسات من الأجسام العنصرية والمكونة عنها من المعدن والنبات والحيوان والأجسام الفلكية والحركات الطبيعية

01:12والنفس التي تنبعث عنها الحركات وغير ذلك

01:17ويسمى هذا الفن بالعلم الطبيعي وهو الثاني منها

01:22وإما أن يكون النظر في الأمور التي وراء الطبيعة من الروحانيات ويسمونه العلم الإلهي وهو الثالث منها

01:31والعلم الرابع وهو الناظر في المقادير ويشتمل على أربعة علوم وتسمى التعاليم

01:38أولها علم الهندسة وهو النظر في المقادير على الإطلاق

01:43إما المنفصلة من حيث كونها معدودة أو المتصلة

01:51وثانيها علم الأرتماطيقي وهو معرفة ما يعرض للكم المنفصل الذي هو العدد

02:00ويأخذ له من الخواص والعوارض اللاحقة وثالثها علم الموسيقى وهو معرفة نسب الأصوات والنغم بعضها من بعض وتقديرها بالعدد

02:14وثمرته معرفة تلاحين الغناء ورابعها علم الهيئة وهو تعين الأشكال للأفلاك وحصر أوضاعها وتعددها لكل كوكب من السيارة

02:31والقيام على معرفة ذلك من قبل الحركات السماوية المشاهدة الموجودة لكل واحد منها

02:38ومن رجوعها واستقامتها وإقبالها وإدبارها

02:42فهذه أصول العلوم الفلسفية وهي سبعة

02:46المنطق وهو المقدم منها

02:49وبعده التعاليم

02:51فالأرتماطقي أولا ثم الهندسة ثم الهيئة ثم الموسيقى ثم الطبيعيات ثم الإلهيات

02:59ولكل واحد منها فروع تتفرع عنه

03:03فمن فروع الطبيعيات الطب

03:07ومن فروع علم العدد علم الحساب والفرائض والمعاملات

03:13ومن فروع الهيئة الأذياج

03:16وهي قوانين لحسابات حركات الكواكب وتعديلها للوقوف على مواضعها

03:23متى قصد ذلك

03:25ومن فروع النظر في النجوم على علم الأحكام النجومية

03:29ونحن نتكلم عليها واحدا بعد واحد إلى آخرها

03:34واعلم أن أكثر من عني بها في الأجيال الذين عرفنا أخبارهم

03:40الأمتان العظيمتان في الدولة قبل الإسلام وهما فارس والروم

03:45فكانت أسواق العلوم نافقة لديهم على ما بلغنا لما كان العمران منفورا فيهم

03:54والدولة والسلطان قبل الإسلام وعصره لهم

03:58فكان لهذه العلوم بحور زاخرة في آفاقهم وأمصارهم

04:04وأما الفرس فكان شأن هذه العلوم العقلية عندهم عظيما ونطاقا متسعة

04:11لما كانت عليه دولتهم من الضخامة واتصال الملك

04:17ولقد يقال إن هذه العلوم إنما وصلت إلى يونان منهم حين قتل الإسكندر دارا وغلب على مملكة الكينية

04:29فاستولى على كتبهم وعلومهم ما لا يأخذه الحصر

04:34ولما فتحت أرض فارس ووجدوا فيها كتبا كثيرة

04:40كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب ليستأذنه في شأنها وتلقينها للمسلمين

04:49فكتب إليه عمر أن يطرحوها في الماء فإن يكن ما فيها هدى فقد هدان الله بأهدى منه

04:58وإن يكن ضلالا فقد كفان الله فطرحوها في الماء أو في النار

05:04وذهبت علوم الفرس فيها أن تصل إلينا وأما الروم فكانت الدولة منهم ليونان أولا

05:12وكان لهذه العلوم بينهم مجال الرحب

05:16وحملها مشاهير من رجالهم مثل أساطين الحكمة وغيرهم

05:23واختص فيها المشاؤون منهم أصحاب الرواق بطريقة حسنة في التعليم

05:30كانوا يقرؤون في رواق يظلهم من الشمس والبرد على ما زعموا

05:35واتصل فيهم سند تعليمهم على ما يزعمون من لدن لقمان الحكيم في تلميذه

05:44بقراط آلدن ثم إلى تلميذه أفلاطون ثم إلى تلميذه أريستو

05:53ثم إلى تلميذه الإسكندري الأفرودسي وتامس طيوس وغيرهم

06:02وكان أريستو معلما للإسكندري ملكهم الذي غلب الفرس على ملكهم

06:11وانتزع الملك من أيديهم وكان أرسخهم في هذه العلوم قدما وأبعدهم فيهم صيتا

06:19وكان يسمى المعلم الأول فطار له في العالم ذكره

06:26ولما انقرض أمر اليونان وصار الأمر للقياصرة وأخذوا بدين النصرانية

06:33هجروا تلك العلوم كما تقتضيه الملل وشرائع فيها

06:38وبقيت في صحفها ودواوينها مخلدة باقية في خزائنهم

06:44ثم ملكوا الشام وكتبوا هذه العلوم باقية فيهم

06:50ثم جاء الله بالإسلام وكان لأهله الظهور الذي لا كفاء له

06:56وابتزوا الروم ملكهم فيما بتزوه للأمم

07:00وابتدأ أمرهم بالسذاجة والغفلة من الصنائع حتى إذا تبحبح السلطان والدولة

07:07وأخذوا من الحضارة بالحظ الذي لم يكن لغيرهم من الأمم

07:12وتفننوا في الصنائع والعلوم

07:15تشوقوا إلى الاطلاع على هذه العلوم الحكيمة

07:19بما سمعوا من الأثاقفة والأقصة المعاهدين

07:24بعض ذكر منها

07:27وبما تسمو إليه أفكار الإنسان فيها

07:31فبعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم

07:35أن يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمة

07:38فبعث إليه بكتاب أقليدس

07:41وبعض كتب الطبيعيات

07:44فقرأها المسلمون واتطلعوا على ما فيها

07:48وازدادوا حرصا على الظفر بما بقي منها

07:51وجاء المأمون بعد ذلك

07:53وكانت له في العلم رغبة

07:55بما كان ينتحله

07:57فانبعث لهذه العلوم حرصة

08:02فانبعث لهذه العلوم حرصة

08:07وأوفد الرسل على ملوك الروم في استخراج علوم اليونانيين

08:11وانتساخها بالخط العربي

08:14وبعث المترجمين لذلك

08:16فأوعى منه واستوعب

08:18وعكف عليها النظار من أهل الإسلام

08:21وحذقوا في فنونها

08:23وانتهت إلى الغاية أنظارهم فيها

08:26وخالفوا كثيرا من آراء المعلم الأول

08:29واختصوه بالرد والقبول

08:32لوقوف الشهرة عنده

08:34ودونوا في ذلك الدواوين

08:36وأريبوا على من تقدمهم في هذه العلوم

08:40وكان من أكابرهم في الملة

08:42أبو نصر الفارابي

08:45وأبو علي بن سينا بالمشرق

08:49والقاضي أبو وليد بن رشد

08:52والوزير أبو بكر بن الصائغ بالأندلس

08:57إلى آخرين بلغوا الغاية في هذه العلوم

09:01واختص هؤلاء بالشهرة والذكر

09:05وقتصر كثيرون على انتحال التعاليم

09:08وما ينضاف إليها من علوم النجامة والسخر والطلسمات

09:13ووقفت الشهرة في هذا المنتحل

09:18على مسلمة بن أحمد المجريطي

09:23من أهل الأندلس

09:25وتلميذه

09:26ودخل على الملة من هذه العلوم

09:29وأهلها داخل

09:31واستهوت الكثير من الناس

09:34بما جنحوا إليها

09:36وقلدوا آراءها

09:37والذنب في ذلك لمن ارتكبه

09:40ولو شاء ربك ما فعلوه

Category

Transcript

Recommended