01:35والحركة عند الإنسان مصدر إبداع حضاري لأنها لا تسطر عن الجسم فقط كما هو لدى الكائنات الحية غير العاقلة بل كذلك العقل والروح
01:47ويعرفه أوغست كومت في كتابه السياسة الوضعية بقوله العمل والتبديل النافع للوسط الخارجي
01:57فهو عند الإنسان نشاط يحول المادة من صورتها غير النافعة إلى صورتها النافعة التي يريدها حسب وسائله وإمكاناته وغاياته مستخدما قواه الجسدية والعقلية معا
02:11ومؤثرا في الطبيعة ومتأثرا بها
02:14ولكن هل العمل حاجة بيولوجية لتلبية الاحتياجات الأساسية في الحياة؟
02:22أم أنه حاجة جسدية وعقلية ونفسية؟
02:27لم يعد العمل ضرورة بيولوجية لتلبية احتياجات جسدية وغرائزية عن طريق حركات آلية لا معنى لها
02:35وإنما هو نشاط واعي ليجعل الإنسان قيمة اجتماعية وأقلاقية وإنسانية
02:44بل هو تجسيد لقيمته الإنسانية ليكون بعمله الإنساني إنسانا
02:51في دراسة قام بها الباحثان تيل واشتر ودينيال سوليبان
02:56وجدا أن البطالة تأثيرات سلبية عظيمة
02:59فيتؤدي إلى زيادة معدل الوفيات في السلة التي فقد فيها الموظف عمله
03:05بنسبة تتعدى 50% من المعدل الطبيعي
03:10وزيادة بنسبة تصل إلى 15% بعد العام الأول
03:16وتستمر هذه النسبة لمدة 20 عاما
03:20وفي دراسة قامت بها مارغريتا فوس وزملائها في السويد
03:25أكدت أن التأثيرات السلبية لفقدان العمل استمرت لـ 24 عاما
03:32بزيادة معدلات الانتحار والحوادث والإصابة بالأمراض السرطانية وأمراض القلب
03:39وبذلك ابتضح أن التأثيرات السلبية لفقدان العمل أو البطالة
03:44تلازم الإنسان مدى الحياة
03:48وفي دراسة على أكثر من 500 ألف شخص في بريطانيا
03:52بيّنت أن نسبة الانتحار في الأشخاص العاطلين عن العمل
03:56ازدادت ثلاثة أضعاف على مدى عشرة أعوام
04:01مقارنة بالأشخاص العابلين
04:03وفي دراسة نشرت بمجلة الجمعية الطبية الأمريكية
04:07وتمت على أكثر من ثلاثة عشر ألف بالغ
04:10ما بين عمر 51 و75 سنة على مدى ثمانية عشر عاما
04:17وجدت أن الإصابة بالجلطة القلبية ارتفعت بنسبة 63%
04:24في الأشخاص الذين فقدوا أربع وظائف في هذه الفترة
04:27وارتفعت النسبة إلى 22% الذين فقدوا وظيفة واحدة
04:33والنسبة الأعلى تكون في السنة الأولى من فقدان الوظيفة
04:37ووجدوا أن خطر البطالة على الصحة لا يقل عن قطر التدخين
04:42أو الضغط أو السكر في التسبب بالإصابة بالجلطات القلبية
04:47ويعز الباحثون ذلك إلى زيادة هورمونات التوتر مثل الكورتزول
04:52وتغيير نمط الحياة عند العاطلين من زيادة نسبة التدخين
04:57وشرب الخمر والغذاء غير الصحي وإهمال الرياضة
05:01وكل ذلك يعكس الحالة النفسية للشخص الذي لا يعمل
05:05وانعدام القيمة الذاتية ونظرته لنفسه ودوره في الحياة
05:12أضف إلى ذلك الإنعزال الاجتماعي المصاحب البطالة
05:16فالإنسان كما خلق بالله كان الاجتماعي
05:20والعزلة عن المجتمع لها تأثيرات سلبية على صحة الإنسان
05:25جسدا وعقلا وروحا لذلك تبين الدراسات أن البطالة هي أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بالاكتئاب
05:37لقد عظم الإسلام مكانة العمل
05:44فقرنها بالإيمان في كل آيات القرآن
05:47الذين آمنوا وعملوا الصالحات
05:51بل وجعلها دليل صدق الإيمان
05:54فقال الرسول صلى الله عليه وسلم
05:56الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل
06:00وجعل سبحانه الجزاء على قدر العمل
06:03فقال من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن
06:08فلنحيينه حياة طيبة
06:11ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون
06:15ومن تعظيم شأن العمل أن أمر الله به كل خلقه
06:21فالأنبياء وهم أفضل خلقه سبحانه
06:24عملوا كما يعمل الناس
06:26فعمل آدم بالزراعة
06:29وداود بالحدادة
06:31وكان عيسى في الصبى نجارة
06:34وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
06:37عمل برأي الغنم والتجارة
06:40فلا يجوز لمسلم ترك العمل
06:43بذريعة التفرق للعبادة أو الدعوة
06:46ثم يسأل الناس
06:47قال صلى الله عليه وسلم
06:49لإن يأخذ أحدكم حبله
06:52ثم يغدو إلى الجبل فيحتطب
06:54فيبيعه
06:55فيأكل ويتصدق
06:57خير له من أن يسأل الناس
07:00وقد كان من أهم أسباب تخلف العرب في الجاهلية
07:05عن الحضارات الأخرى
07:07هو احتقارهم للأعمال اليدوية
07:09والذي أطلقوا عليه اسم المهنة
07:12من الامتهان فلا يعمل في المهن كالنجارة والحدادة والزراعة والحراثة والفلاحة إلا العبيد
07:20بل كان لا يطلق اسم أفلح إلا على العبيد
07:25أما سالة العرب فلا يعملون إلا في التجارة
07:29حيث الربح الوفير بجهد قليل
07:32مما غذى فكرة شرف الكسل
07:35واحتقار العمل
07:37ولذلك قال أبو جهل لسيدنا عبد الله بن مسعود قبل قتله
07:41متحسرا
07:43لو غير أكار قتلني
07:45أي لو قتلني رجل لا يعمل في مهنة كالزراعة
07:49احتقارا منه لها
07:51وجاء الإسلام ليجتث كل هذه المفاهيم السلبية الخاطئة
07:57فجعل الإيمان والعمل متلازمين في وقت كان الإيمان مشكوكا به
08:02وكان العمل محتقرا
08:04لتأكيد أن العلاقة مصيرية لا فصل فيها بينهما
08:09وقد أكثر القرآن من آيات العمل باليد والفلاحة والحرث
08:14فقال قد أفلح المؤمنون
08:16وقال تعالى من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه
08:22وقال عز وجل يوم ينظر المرء ما قدمت يده
08:26وضرب الله مثلا لرمز الحضارة القوية العادلة الشامخة في القرآن
08:32بثل قرنين
08:33وأكد أن من أهم وسائل التمكين
08:37وسيلة التصنيع باستخدام الحديد والنحاس
08:41فقال آتوني زبر الحديد
08:44حتى إذا ساوى بين الصدفين
08:46قال الفخو حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطران
08:51تأكيدا أنه لن تكون هناك حضارة تقيم العدالة والميزانة بدون قوة الحديد والتصنيع
09:00لقد أرسلنا رسولنا بالبينات
09:02وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقصد
09:06وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس
09:10وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب
09:14إن الله قوي عزيز
09:16لذلك لم يفصل القرآن بين العمل الدنيوي والعمل الأخروي
09:22فالدنيا مزرعة الآخرة
09:24هي طريق الإنسان للحياة الأخروية
09:27لجنة الخلود
09:29ولا طريق غيرها
09:31الدنيا هي الاختبار الذي اختاره الله لنا في الأرض
09:34ووضع لنا سنن هذا الاختبار
09:37إن احتقار الدنيا والعمل الدنيوي
09:40واحتقار لسنة الخلق التي اختارها الله سبحانه لعباده